سورة طه - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (طه)


        


{طه (1) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (2) إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى (3) تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى (4) الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (5) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى (6) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى (7) اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (8)} [طه: 20/ 1- 8].
اختصت كلمة طه بأقوال تختلف عن بقية حروف المعجم التي بدئ بها بعض من سور القرآن، منها: أن طه اسم من أسماء محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو قول مقبول، لأن ما بعد طه لا يصح أن يكون خبرا عنها (طه): حروف ط، ها. واختصت أيضا بأن أكثر فواصل الآيات (أواخرها) جاءت بالألف المقصورة، وأحيانا بالياء المنقوصة، وهذا من سمو البلاغة، وللتأثير القوي على النفوس.
وسبب نزول هذه الآية: إنما هو ما كان عليه رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم، يتحمله من مشقة الصلاة، حتى كانت قدماه تتورمان، وتحتاجان إلى الترويح، فقيل له: طأ الأرض، أي لا تتعب حتى لا تحتاج إلى الترويح (أي الوقوف على قدم وإراحة الثانية من التعب).
يا طه، لم ننزل القرآن عليك لتتعب نفسك بسبب تأسّفك عليهم وعلى كفرهم، فإن إيمانهم ليس إليك، بل أنزلناه لتبلّغ وتذكّر، فحسبك التبليغ والتذكير، ولا تلتفت بعدئذ لإعراض المعاندين، ولا ترهق نفسك وتتعبها بحملهم على قبول دعوتك.
وما أنزلناه إلا تذكرة لتذكّر به من يخاف عذاب الله، وينتفع بما سمع من كتاب الله الذي جعلناه رحمة ونورا ودليلا إلى الجنة، وليس عليك جبرهم على الإيمان، كما جاء في آية أخرى: {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ} [الشورى: 42/ 48]، وآية {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22)} [الغاشية: 88/ 22].
وفي هذا إيناس للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم على إعراض قومه عن دعوته، وضيق نفسه على تصميمهم على الكفر.
وهذا القرآن المنزل عليك يا محمد: إنما هو تنزيل من خالق الأرض والسموات العلى، والمراد جهة السفل والعلو، الأرض بانخفاضها وكثافتها، والسماوات في ارتفاعها ولطافتها. والمراد بالآية: إخبار العباد عن كمال عظمة منزل القرآن، ليقدروا القرآن حق قدره.
ومنزل القرآن: هو الرحمن المنعم بجلائل النعم ودقائقها، وهو الذي استوى على العرش، وهو استواء نؤمن به من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تعطيل، ولا تحريف ولا تأويل، وبلا كيف ولا انحصار.
والله منزل القرآن هو أيضا مالك السماوات والأرض وما بينهما من الموجودات، ومالك كل شيء ومقدّره، ومدبّره ومتصرف فيه، ومالك ما تحت التراب من الكنوز والمعادن وبقية الأشياء، فله الكون كله ملكا وتدبيرا وتصرفا.
والله تعالى عالم بالجهر والسر، وما أخفى منه مما يخطر بالبال، أو يجري من خواطر القلب وأحاديث النفس، فالله عالم بكل ذلك، وعلمه سواء، لا يختلف فيه السر عن الجهر.
وإن صفات المجد والكمال المتقدمة: هي لله المعبود الحق، الذي لا إله غيره ولا رب سواه، وله أحسن الأسماء والصفات الدالة على كل الكمال، والتقديس والتمجيد.
ومن كانت هذه صفاته، وجب تعظيمه وتقديسه، وإفراده بالعبادة، والطاعة، والتزام أمره ونهيه، لأنه سبحانه لا يريد ولا يفعل إلا الخير والمصلحة لعباده، فما أجدرهم بتقبل وجه المصلحة، والبعد عن المضرة والمفسدة.
مناجاة موسى ربه:
اختص كل نبي ببعض المعجزات الخارقة للعادة لتكون دليلا على صدقهم، منها معجزات مادية وأخرى معنوية أدبية، وقد اختص موسى عليه السلام بصفة كونه كليم الله في عالم الدنيا في الوادي المقدس طوى، وهي صفة عظيمة بتقدير الله وإحسانه وإعداده، والله إذا أراد شيئا هيّأ أسبابه، ووطّد أركانه ودعائمه، لذا حقّ أن تذكر هذه الحادثة العظيمة، ليتأمل بها أعداء الأديان، وتبقى أثرا حيا موقظا للإيمان في قلوب المؤمنين ومشاعرهم، وهذا ما نصت عليه آي القرآن الآتية:


{وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (9) إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً (10) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى (15) فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى (16)} [طه: 20/ 9- 16].
هذا الاستفهام: {وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (9)} تنبيه النفس إلى ما يورد عليها، وهذا كما تبدأ الرجل إذا أردت إخباره بأمر غريب، فتقول: أعلمت كذا وكذا؟ ثم تبدأ تخبره. فالبدء بالاستفهام لتثبيت الخبر وتقريره في نفس المخاطب. أي وهل بلغك خبر موسى وقصته مع فرعون وملئه، وكيف كان ابتداء الوحي إليه، وتكليمه إياه؟ وذلك حين رجع موسى إلى مصر بعد زواجه بابنة شعيب عليه السلام ورعيه أغنامه عشر سنوات.
هل أتاك خبر موسى حين رأى نارا، وكانت رؤيته للنار في ليلة مظلمة، لما خرج مسافرا من مدين إلى مصر. فقال موسى لزوجه وولده وخادمه مبشرا لهم: امكثوا في مكانكم، إني رأيت نارا من بعيد، لعلي أوفيكم منها بشعلة مضيئة أو بشهاب أو جذوة من النار، كما في آية أخرى، لعلكم تستدفئون بها، بسبب وجود البرد، أو أجد عند النار من يهديني إلى الطريق ويدلني عليها.
فلما أتى موسى النار التي آنسها، واقترب منها، نودي من قبل الله تعالى: يا موسى، إن الذي يكلمك ويخاطبك هو ربك، فاخلع حذاءك لأن ذلك أبلغ في التواضع، وأقرب إلى التشريف والتكريم وحسن الأدب، إنك بالوادي المطهر المسمى، (طوى) من أرض سيناء.
وأنا الله الذي اخترتك للرسالة والنبوة، فاستمع سماع قبول واستعداد ووعي لما ينزل عليك من الوحي. إنني أنا الله الذي لا إله غيري، فوحّدني وقم بعبادتي من غير شريك، لأن اختصاص الألوهية به سبحانه موجب لتخصيصه بالعبادة.
وأدّ يا موسى الصلاة المفروضة المأمور بها كاملة الأركان والشروط، لتذكرني فيها، وتدعوني دعاء خالصا إلي. وخصّ الصلاة لله بالذكر، لكونها أشرف طاعة، وأفضل عبادة.
أخرج الترمذي وابن ماجه وغيرهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: «من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها، فإن الله قال: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي}».
وملتقى جميع الجهود البشرية والبشر هو يوم القيامة، لذا أعقب الله تعالى إعلان التوحيد وإيجاب الصلاة بالإخبار عن مجيء الساعة، أي القيامة، فذكر أن الساعة قائمة لا محالة، وكائنة لابد منها، أكاد أخفيها من نفسي، فكيف يعلمها غيري، فاعمل لها الخير، من عبادة الله والصلاة، ولأن مجيء الساعة أمر حتمي لازم، لأجزي كل عامل بعمله، ولتجزى كل نفس بما تسعى فيه من أعمالها.
والله أخفى الساعة، أي القيامة، وأخفى أجل الإنسان، ليعمل الإنسان بجد ونشاط، ولا يؤخر التوبة، ويترقب الموت كل لحظة، فكلمة {أَكادُ أُخْفِيها} أي أقارب، و(أكاد) زائدة لمعنى، أي إن الساعة آتية أخفيها لحكمة تقتضي ذلك.
أشهر معجزتين لموسى عليه السلام:
كان موسى عليه السلام من الرسل أولي العزم وهم نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد عليهم الصلاة والسلام، وقد أيد الله موسى لإثبات نبوته أمام قومه بني إسرائيل بمعجزات كثيرة، أهمها انقلاب العصا حية، واليد البيضاء التي تشع كالشمس، والمعجزات أمور خارقة للعادة، أحدثها الله على أيدي الأنبياء، استثناء من خواص الأشياء، وطبائع المادة العادية. وهاتان أشهر معجزتين لموسى عليه السلام، قال الله تعالى:


{وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (17) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (18) قالَ أَلْقِها يا مُوسى (19) فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (20) قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى (21) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى (22) لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى (23)} [طه: 20/ 17- 23].
معجزة العصا لموسى عليه السلام: هي البرهان الأول الخارق للعادة الدال على أنه لا يقدر على مثل هذا إلا الله عز وجل. وبدأ إظهار المعجزة بسؤال الله لموسى سؤال تقرير لأن الله عليم بكل شيء، للتنبيه على كمال قدرة الله، والتأمل بما يحدثه من خوارق العادات، وليتأكد موسى وغيره أن ما بيد موسى عصا حقيقية يعرفها، قال الله له: {وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (17) قالَ هِيَ عَصايَ} أي قال موسى: هي عصاي، ثم ذكر فائدتين لعصاه استمتاعا بمتعة الكلام الإلهي.
وهاتان الفائدتان: أى عصاي أعتمد عليها في حال المشي، وأخبط بها الشجر وأهزه، ليسقط منه الورق، لتأكله الغنم، ولي في هذه العصا مصالح ومنافع أخرى غير ذلك، كحمل الزاد والسقي وطرد السباع عن الغنم.
قال الله تعالى لموسى: ألق هذه العصا التي في يدك يا موسى. فألقاها موسى على الأرض، فإذا هي قد صارت في الحال حية عظيمة، تتحرك بسرعة، وتمشي وتضطرب، وتلتقم الحجارة.
ثم أمر الله تعالى موسى بالعودة إلى مكانه، فرجع موسى وهو شديد الخوف من تحركات الحية المخيفة، وهذا شأن البشر، فإنهم يخافون من الثعابين. فقال الله له: خذ هذه الحية بيمينك، ولا تخف منها، سنعيدها بعد أخذها إلى حالتها الأولى التي تعرفها قبل ذلك. وكان موسى يكرر إلقاء العصا فتصير حية، ثم يمسك بها فتعود عصا كما كانت.
ثم أمر الله تعالى موسى أن يضم يده إلى جناحه، أي إلى جنبه، وهو الجناح استعارة ومجازا. يا موسى اضمم يدك اليمنى إلى جنبك تحت العضد، واجعلها تحت الإبط الأيسر، تخرج بيضاء لامعة ذات نور ساطع، يضيء بالليل والنهار، كضوء الشمس والقمر، من غير سوء، أي من غير برص ولا أذى ولا شين ولا مثلة، علما بأن جلد موسى كان أسمر، وهذه معجزة أخرى غير العصا.
ثم رد يده بعد وضعها على جنبه، فعادت كما كانت بلونها الأسمر المعتاد، وإذا حاول السحرة إبطال معجزة العصا، فإنه لم يحاول أحد إبطال معجزة اليد.
كان موسى عليه السلام يكرر أيضا هذه المعجزة، فإذا أدخل يده في جيبه، ثم أخرجها، تخرج تتلألأ، كأنها فلقة قمر، قال الحسن البصري: أخرجها والله كأنها مصباح، فعلم موسى أنه قد لقي ربه عز وجل.
ثم قال الله تعالى: {لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى (23)} أي فعلنا هذا بك لنريك بهاتين الآيتين بعض دلائل قدرتنا على كل شيء، في السماوات والأرض، والمخلوقات الموجودات، وقد وصف الله تعالى الآيات بالكبرى، على ما تقدم من قوله، لمناسبة أواخر الآيات: {لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى} و{مَآرِبُ أُخْرى} ونحوه، ويحتمل أن يريد تخصيص هاتين الآيتين بأنهما أكبر الآيات، كأنه قال: لنريك الكبرى من آياتنا، فهما معنيان.
والخلاصة: لما أراد الله تبارك وتعالى أن يدرّب موسى على تلقي النبوة وتكاليفها، أمره بإلقاء العصا، فألقاها، فقلب الله أوصافها وأغراضها، وكانت عصا ذات شعبتين، فصارت الشعبتان لها فما، وصارت حية تسعى أي تنتقل وتمشي، ومن أجل إزالة رعب موسى، أمره الله بضم يده إلى جنبه، وهذا ما يفعله كل مرعوب من ظلمة أو نحوها، فتصير يده بيضاء تضيء كالشمس.
بدء بعثة موسى عليه السلام:
لكل نبي في بدء بعثته، نبيا أو رسولا، ظروف وأحوال مثيرة، وعجائب مدهشة، تتناسب مع العصر الذي يعيش فيه، وتتميز البعثة النبوية بالتكليف الإلهي الحاسم في تبليغ كل رسول رسالة ربه، ودعوته إلى عبادة الله، فهي صميم الرسالة وجوهر الدعوة، وفي هذه البداية طلب موسى من ربه في الجملة، أربعة أمور: شرح صدره، وتيسير أمره، وحل عقدة لسانه، وجعل أخيه هارون نبيا ووزيرا له، لتقوية أمره وتعاونه معه في أداء مهمته، ومشاركته في ذكر الله وعبادته، وصار مطلوب موسى بالتفصيل ثمانية أمور، أربع منها وسائل، وأربع أخرى هي غايات. قال الله تعالى واصفا هذه المطالب:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8